أخر الاخبار

الخميس، 26 سبتمبر 2013

واقع التعليم العالي في اليمن وطموح التغيير ... بين يدي رئيس الجمهورية

واقع التعليم العالي في اليمن وطموح التغيير ... بين يدي رئيس الجمهورية
 

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الأخ المشير/ عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية                 المحترم
تعلمون أن الجامعات هي مراكز ومؤسسات البناء والتنوير وأن صلاحها وتلبيتها لاحتياجات التنمية هي الركيزة الاستراتيجية لبناء المجتمعات وتقدمها واستقرارها , بيد أن واقع هذه المؤسسات وما آل إليه وضع الجامعات اليمنية بحاجة ماسة إلى حكمتكم ورؤيتكم الثاقبة التي نزعت عن اليمن فتيل الحرب والدمار وقادته إلى طريق النور والسلام وهي بإذن الله قادرة على العمل إنقاذ الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من عوامل الانهيار التي تكاد تودي بها على كل المستويات .
وبهذا الصدد أرجو أن تسمح لي فخامتكم أن أضع بين يديكم خلاصة تجربتي في مجال التعليم العالي إدارياً وأكاديمياً وبرؤية موضوعية استقرأتْ الواقع وعاشت كل تفاصيله وتحولاته .
إن الحقيقة التي لا ينكرها أحد تشير إلى خلل مفصلي ورؤيوي في منظومة التعليم العالي بكل تشكيلاتها الإدارية والأكاديمية الأمر الذي جعلها تفقد كثيراً من مفردات بنيتها الإستراتيجية . 
فعلى المستوى الإداري  يعرف الجميع أن التعليم العالي يدار من خلال الوزارة المعنية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ) .
 ويندرج تحت وزارة التعليم العالي كل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الحكومية والخاصة والتي ينشأ عنها المجلس الأعلى للجامعات المعني الأساس بوضع إستراتيجية التعليم العالي في اليمن ويتكون المجلس الأعلى للجامعات من وزير التعليم العالي ورؤساء الجامعات الحكومية ,و عدد من الوزراء المعنيين ويرأسه رئيس مجلس الوزراء الذي لا يشترط فيه القانون أن يكون حاصلاً على شهادة الدكتوراه ’ الأمر الذي يترتب عليه جانبان : الأول أن رئاسة المجلس الأعلى للجامعات - الذي يتبنى رسم سياسة و استراتيجية التعليم العالي – قد توكل إلى شخص نصف متعلم بوصفه رئيساً للوزراء ’ فكيف يمكن أن تتصور أن يترأس شخص نصف متعلم أكبر و أهم و أعلى هيئة ( المجلس الأعلى للجامعات) تقوم بوضع الإستراتيجية العامة للتعليم العالي؟ و الجانب الآخر هو أن هذا الوضع جرَّد الوزارة المعنية من صلاحياتها ’ إذ أن الجامعات على وفق البنية الهيكلية تتبع إدارياً وزارة التعليم العالي , ولكن الواقع شيء والهيكلة الإدارية شيء آخر .
فالجامعات واقعياً مستقلة إدارياً ومالياً استقلالاً تاماً عن وزارة التعليم العالي , وإذا ما استثنينا الجانب الإشرافي على إستراتيجية القبول والتسجيل للجامعات الحكومية و المنح الدراسية , فإنه ليس هناك أي رابط إداري يربط الجامعات بالوزارة . فضلاً عن أن وزير التعليم العالي لا يملك سلطة محاسبة أو عزل أو تعيين أي ٍ من رؤساء الجامعات إذ أن رئيس الجامعة يعين بقرار جمهوري وربما بدرجة هي أعلى من درجة الوزير ولعل هذا أحد أبرز مراكز الخلل في الهيكلة الإدارية للوزارة , الأمر الذي يشكل فجوة إدارية ذات تأثير بالغ في منظومة التعليم العالي إذ تتحرر الجامعات كلياً من سلطة الرقيب الإداري , وتصبح تـُدار وفق رؤى واجتهادات ارتجالية متباينة قد توفق وقد تخفق , هذا فيما يتعلق بالهيكلة الإدارية للوزارة وما ينتج عنها من تخلخلات مفصلية. أما ما يتعلق بالهيكلة الإدارية للجامعات فإننا نجد أن الجامعة تتشكل إدارياً من رئيس الجامعة ونوابه المعيـَّنين بقرار جمهوري , لكن أمين عام الجامعة وعمداء الكليات ونواب عمداء الكليات ورؤساء الأقسام فهؤلاء وفق اللائحة يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجامعة – ويشترط فيمن يعين لمنصب أمين عام أن يكون صاحب خبرة لا تقل عن عشر سنوات بعد حصوله على المؤهل الجامعي و بموافقة مجلس الجامعة ويشترط في عمداء الكليات ونوابهم ورؤساء الأقسام أن يكونوا بدرجة أستاذ أو أستاذ مشارك على الأقل وفق اللوائح ولكن الواقع الملموس يخالف اللوائح مخالفة صريحة . كما أن أغلب عمداء الكليات ونوابهم ورؤساء الأقسام أساتذة مساعدين , فضلاً عن أن أغالب عمداء الكليات لا يلتزمون بممارسة الاختصاصات المنصوص عليها في اللوائح مما يخلق نوعاً من الاضطراب والاحتكاكات الإدارية بين العمداء والنواب , والتي تنعكس بالضرورة على واقع التعليم . أما على المستوى الأكاديمي : فإن الأمر أكثر ارتباكاً إذ أن الوضع العلمي والأكاديمي في الجامعات اليمنية والحكومية منها على وجه الخصوص – يعاني من إشكاليات كثيرة يمكن حصرها في نوعين أساسيين:
النوع الأول : يتعلق بالبنية التحتية للجامعات ولعل المدخل الأمثل للحديث عن هذا النوع يبدأ من مجلس الجامعات وسياسة التسجيل والقبول التي يقررها قبل بداية كل عام جامعي إذ يقر مجلس الجامعات قبول واستيعاب عدد كبير من الطلاب سنوياً على وفق طلب كل جامعة , من دون مراعاة أو مناقشة ما إذا كانت كل جامعة وكل كلية تابعة لها قادرة فعلاً على استيعاب هذا العدد ومستعدة لتوفير المتطلبات الضرورية المعاصرة من قاعات دراسية ومعامل ومكتبات ووسائل تعليمية حديثة ومراكز أنشطة وكل ما من شأنه أن يضمن تحقيق تحصيل علمي متكامل , فأغلب الكليات تفتقر إلى مثل هذه المقومات الأساسية وتمارس التعليم تحت شعار سياسة الممكن الأمر الذي يجعل واقع التعليم العالي يتسم بالكمية وليس بالكيفية . 

أما النوع الآخر : من الإشكاليات فهو ما يتعلق بالمنظومة المنهجية والدراسية , فأهم الإشكاليات المهمة في هذا الصدد عدم وجود رؤية منهجية موحدة في الكليات المتماثلة في الجامعات اليمنية , فعلى الرغم من أن كليات وأقسام الجامعات تتشابه إلا أن كل قسم أو تخصص له منهجه ومفرداته الخاصة التي تختلف عن القسم المشابه في الجامعات الأخرى بالإضافة إلى أن مفردات المقررات الدراسية في كثير من الجامعات مفردات قديمة تجاوزها الزمن باتجاهاته العلمية الحديثة , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نسبة ما يتلقاه الطالب الجامعي في تخصصه الدقيق , ربما تكون أقل مما يتلقاه في غير تخصصه من مقررات المتطلبات الجامعية المتعددة على حساب التخصص فضلاً عن أن اتساع مساحة الجانب النظري في الدراسة الجامعية على حساب الجانب التطبيقي نظراً لعدم توفر المعامل التطبيقية المجهزة بالتقنيات الحداثية والوسائل التعليمية المتطورة واعتماد الأستاذ الجامعي على الوسيلة التقليدية في التعليم ( السبورة والطبشور ) نظراً لشحة الإمكانيات التي لا تسمح بتوفير أدوات معاصرة وعدم قدرة الأستاذ على ممارسة التقويم المستمر لطلابه نظراً للعدد الهائل الذي تكتظ به القاعة الدراسية . كل ذلك من شأنه أن يؤثر تأثيراً بالغاً على العملية التعليمية الجامعية وعلى عملية التحصيل لدى الطلاب ومن ثمَّ لا بد أن تكون المخرجات التعليمية صورة مجسدة لواقع التعليم .في حين يجب أن تكون مخرجات التعليم الجامعي ملبية لطموحات التنمية ومتطلبات سوق العمل محلياً وإقليمياً.
ويمكن القول إن عدم اهتمام وزارة التعليم العالي والجامعات اليمنية – بالمؤتمرات العلمية وورش العمل التي من شأنها تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس وفتح آفاق علمية ومعرفية جديدة والاحتكاك بمدارس وتجاوب علمية وأكاديمية متنوعة ومتطورة عربياً ودولياً , بالإضافة إلى عدم توفير الحوافز المشجعة على البحث العلمي , كل ذلك يجعل من عضو هيئة التدريس يقنع بالسياسة الواقعية ويركن إلى تجربته الأكاديمية الخاصة ويدور في دائرة معرفية محدودة غير قادرة على الاتصال والتواصل والتطور العلمي خارج حدود جغرافيته إلا في حدود ضيقة وضيقة للغاية .
وفي ضوء ما تقدم لا بد أن نؤكد أن هاجس طموح التغيير يبدو أكثر إلحاحاً لمواكبة جملة التحولات المعاصرة التي تشهدها بلادنا على كل المستويات . ولكي نحقق تحولاً نوعياً في منظومة التعليم الجامعي أعتقد أنه لا بد من إعادة النظر في جملة من القضايا أهمها :
- إعادة النظر في الهيكلة الإدارية لوزارة التعليم العالي فيما يتعلق بالجامعات .
- الاهتمام بالبنية التحتية للجامعات وكلياتها بما يتناسب والتطورات التكنولوجية الحديثة وتوفير متطلبات التعليم الجامعي الحديث .
- الاهتمام بالتعليم النوعي .

- تطبيق اللوائح المنظمة إدارياُ وأكاديمياً .
- الاهتمام بالمؤتمرات العلمية والأكاديمية ووضع حوافز مشجعة للبحث العلمي .
- العمل على إيجاد سياسة منهجية موحدة في الأقسام والكليات المتشابهة في إطار الجامعات .
- إعادة النظر في مفردات التخصص وتقليل حجم المتطلبات الجامعية التي تشكل عبئاً على الطالب على حساب تخصصه .
- الانفتاح على التجارب العلمية والأكاديمية المتنوعة الحديثة عربياً وعالمياً .
- الاهتمام بالعلوم الإنسانية إلى جانب العلوم التطبيقية سواءً بسواء من أجل تحقيق نهوض علمي معرفي متكامل .
- اعتماد منظومة جودة التعليم العالي والاعتماد الاكاديمي 
وأعتقد أن ما يجعل النفس تطمئن وتحوم في فضاءاتها تراتيل الأمل – هو أن هاجس التغيير والطموح لتحقيق نهضة علمية ومعرفية شاملة لم يعد هاجس فرد أو جماعة ولكنه هاجس جمعي ومؤسسي حرك المياة الراكدة في الجامعات اليمنية ومؤسساتها الاكاديمية نحو الأفق الأكثر إشراقاً وتلبية لطموح التغيير في ظل قيادتكم الحكيمة التي نتطلع إلى استشراف آفاقها في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي .
وفقكم الله لما فيه الخير والرشاد 

أ.د/أحمد العزي صغير
عميد كلية الدراسات العليا – جامعة الحديدة
أستاذ الأدب والنقد – المشارك

للمزيد تواصل معنا على موقعنا    العروبة نت

اخبار محلية

اخبار دولية

الرياضة

فكر وثقافة

آراء واتجاهات

مقالات

شعر وشعراء

اخبار اقتصادية

وثائقيات

جميع الحقوق محفوظة ©2013