أخر الاخبار

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

فارس الأحصنة المتوحشة

فارس الأحصنة المتوحشة
(نصوص من حكمة الشرق)


العروبة/أحمد صالح غالب الفقيه

فارس الأحصنة المتوحشةقال شبه الظل للظل: أراك في لحظة متحركاً وفي لحظة أخرى ثابتاً. وآناً جالساً وأخرى واقفاً. فلم هذا التنقل في أحوالك؟ قال الظل: آلا تراني معتمداً على غيري فيما أفعل؟ وألا ترى أن من أعتمد عليه يعتمد على شيء آخر في كل ما يفعل؟ أنى لي أن أفسر ما أفعل وما لا أفعل؟

المقدمة
“نصوص من حكمة الشرق” هو الاسم الذي اخترته لهذا المقتطف، الذي تنشره الجمهورية الغراء في ملحقها ( كتاب في الجمهورية) من سفر اكبر ألفته باسم الميثيولوجيا الشرقية، وحالت الظروف المادية دون ظهوره.
كانت رحلتي في تأليف الكتاب وجمع مادته رحلة مثيرة ممتعة غاية الإمتاع، وهو ما أعد به القارئ الكريم أو قل ما أرجوه له.

والرحلة مع العقائد والفلسفات رحلة تتيح للإنسان فهم المجتمعات الإنسانية بثقافاتها المتعددة وهي تؤدي قطعاً إلى التفهم والتسامح الذي يغيب نتيجة للجهل وعدم المعرفة. فالإنسان كما يقول المثل الشعبي: عدو ما يجهل. ولعل أكثر ما أثار استغرابي في هذه الرحلة هو وضع طبقة المنبوذين في الهند الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان. وقد تحولت الدهشة إلى أسئلة غاية في الأهمية كانت الرحلة تقدم الإجابة عليها كلما أوغلت فيها.
لقد انقسمت الفلسفة إلى طريقين رئيسيين أحدهما يقول :بأن الفكر انعكاس لحركة المادة على الدماغ المفكر، وبعبارة أخرى أن التاريخ يصنع الوعي، والاتجاه الثاني يقول بالعكس أي أن الفكر هو ما يصنع التاريخ. ولكن هذا الرضوخ الغريب من ملايين المنبوذين الهندوس لوضعهم المزري المؤيد بعقيدة دينية يخلصون لها أشد الإخلاص ويؤمنون بها إيماناً أعمى يظهر على الأقل أن الوعي الموروث بما يشكله من وجود ماثل وحاضر في الذهن الإنساني أكثر قوة وتأثيراً من حركة الحياة خارج الوعي، أو فلنقل من حركة المادة خارجه. وهي حركة يتمثلها الوعي على صورة نتف متفرقة يحتاج تجميعها وصياغة فكر منها فترة زمنية طويلة، وعناية ورغبة حقيقيتين من قبل الإنسان لتجميع تلك المعطيات المتفرقة وتنسيقها واستخلاص النتائج منها. وهو أمر لا أظنه متيسراً للملايين من البشر الفقراء المقهورين. فلا غرو إذاً أن يكون المصلحون الثائرون قلة قليلة جداً من بين البشر حتى أنه يمكن عدهم وترديد أسمائهم واحداً واحداً في زمن وجيز.

ويتفرع مما تقدم أن قوة الدين حتى ولو كان هذا الدين يشكل مؤامرة صاغها البشر على صورة لعنة على المستوى الحياتي وقوة قاهرة ذات قدرة وتأثير جبارين على حياة البشر وتصرفاتهم. وصياغة البشر للأديان ليست بالأمر الجديد. وتظهر لنا الحصيلة التاريخية أن الإنسان أبدى نزوعاً وميلاً منذ وقت مبكر إلى بناء عالم فكري خاص به مفارق لواقع عالمه المادي ومواز له. وتلك حيلة قديمة لجأ إليها للتغلب على شعوره بالعجز على المستويين المعرفي (الابستمولوجي) العجز عن الفهم، والوجودي (الانطولوجي) العجز عن الامتلاك، وذلك عن طريق إعادة تعريف وتسمية مكونات عالمه، كلياً أو جزئياً، بما يتناسب مع رغباته وأمانيه.
البناء الخيالي الناتج عن هذا النزوع والميل، هو ما أصطلح الناس على تسميته أدباً وفناً لغوياً إذا كان جزئياً، وهو أيضا ما اصطلحوا على تسميته بالأيديولوجيا إذا كان ذا بنية شاملة.

الفكر والأيديولوجيا:
يقوم الفكر على أساس من اللغة، القائمة بدورها على تسمية الأشياء المتنوعة والكثيرة في العالم المادي، في بناء منطقي يعكس العلاقات بين الأشياء ضمن بنيتي الزمان والمكان. ويهدف هذا البناء المنطقي للغة، إلى لم شتات العالم في مكوناته الكثيرة المتعددة، وذلك في مسعى ابستمولوجي لفهم العالم واستخراج المعنى منه عبر الفكر. ومسعى انطولوجي للسيطرة على هذا العالم وامتلاكه، ومن ثم التخلص من الاغتراب المضني الذي يعانيه الإنسان فيه، وهو الاغتراب الناتج عن الكثرة الظاهرية لمكونات العالم، التي تتحدى الإنسان وتقابل هويته بهويتها الخاصة، وتقاوم رغباته واحتياجه إلى استئناسها وامتلاكها واستهلاكها، احتياجاً اضطرارياً لأسباب محض وجودية.
ولما كانت طبيعية البناء المنطقي للغة وبالتالي للفكر، في شقيها التحليلي والتركيبي، قائمة في الأساس على قضايا منطقية ذات مقدمات، ثم نتائج مستخلصة من تلك المقدمات، فإنها تقبل مقدمات خيالية مصطنعة لا تستند إلى وقائع مادية، فتؤدي إلى نتائج مصطنعة بدورها. وهذه النتائج المصطنعة هي أحجار البناء التي تستمد منها الأيديولوجيا بنيتها.
لقد أتيحت للمنبوذين فرص متعددة عبر التاريخ لخلع ربقة هذا الدين الذي يربطهم إلى وضعهم المزري بخيوط غير مرئية ولكنها شديدة الوثاق، وجاءت الفرصة الأولى مع البوذية، وتلتها الفرصة الأخرى مع الإسلام، ولكن يبدو أن الحكام المسلمين في الهند شكلوا طبقة حاكمة حبذت بقاء معظم الهندوس على ديانتهم على غرار بعض الخلفاء المسلمين الظلمة الذين لم يشجعوا الفلاحين في البلاد المفتوحة على الإسلام خشية فقد موارد الجزية المالية الهامة بالنسبة للحاكمين، وهو ما استنكره الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز يوم قال: «إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً».
أياً يكن الأمر، فالكائن البشري كما يقول المؤرخ آرنولد توينبي: “يتحتم عليه أن يعيش ويعمل خلال حياته المضطربة جسداً وعقلاً في المحيط الحيوي. ومتطلبات العيش والعمل تفرضه عليه أن يزود نفسه بأجوبة مؤقتة للألغاز التي تضعها الظواهر الطبيعية أمامه، وهذا مفروض عليه حتى ولو عجز عن الحصول على هذه الأجوبة من العلم، حتى ولو كان يعتقد بأن المعرفة العلمية هي المعرفة الوحيدة الحقة. ذلك أن هذا الاعتقاد ليس في حرز من التشكيك فيه ومع ذلك فإنه من الصحيح القول أن الأجوبة التي نعثر عليها خارج حدود العلم هي أفعال إيمان لا يمكن التثبت منها. فهي ليست شرحاً عقلياً وإنما هي حدس ديني ولكن الجوهري الذي هو ركيزة الدين هو، ولا ريب، ثابت ثبات جوهر الطبيعة البشرية ذاتها. فالدين، في الحقيقة هو صفة ذاتية ومميزة للطبيعة البشرية وهو الاستجابة الحتمية لتحدي غموض الظواهر الطبيعية وهذا التحدي يواجه الكائن البشري لأنه يملك هذه القدرة البشرية الفريدة – قدرة الوعي.”
ولكني مع اتفاقي مع ما قاله المؤرخ الكبير فيما يخص كثيراً من الأديان إلا أنني أؤمن إيماناً عميقاً يؤيده العلم الذي أكد اليوم أن للكون بداية ونهاية، بأن الخالق العظيم أرسل أنبياءه لهداية البشر ولكن البشر قاموا بتحويل الدين السماوي إلى أيديولوجيا بالحذف والإضافة أو بالابتسار والاجتزاء، أو بالتفسير المغلوط، وقد قلنا : أن الأيديولوجيا عمل غائي يهدف إلى التغلب على عجز الإنسان على المستويين المعرفي والوجودي المتمثلين بالعجز عن الفهم والعجز عن الامتلاك.
وعند تحليل هذين المظهرين من مظاهر العجز الإنساني نجد أن عجز الإنسان عن الفهم راجع إلى الهوى ثم إلى التخلف العلمي والتقني وقصور مناهج البحث. أما العجز عن الامتلاك فهو شعور ناتج عن الطمع والجشع أولاً، ثم عن ندرة الأشياء التي يحتاج إليها الإنسان لإشباع حاجاته. ولهذا يرى الإنسان في الآخر – فرداً أو مجتمعاً –منافساً خطيراً على الموارد النادرة يجب إقصاؤه ولو بإلغائه. ولذلك فإن الأيديولوجيا البشرية تتسم بسمتين رئيسيتين على وجه الحصر:

• تقدم في المجال المعرفي إجابات جاهزة، وهذه الإجابات عندما تتعلق بأمور علمية تؤدي إلى ظهور تهافت الأيديولوجيا وكذبها.
• وفي المجال الوجودي تنزع إلى الرفع من شأن الذات مقابل وصم الآخر وتحقيره والتقليل من شأنه تمهيداً لإلغائه.

ولكن مكمن الخطورة في الأمر هو في تدثر الأيديولوجيا بدثار الدين. فهاهم البشر في هذا العالم من أقصاه إلى أقصاه يخلعون نير الظلم والتمييز عن أعناقهم بينما يستكين له المنبوذون الهنود استكانة عجيبة، كل ذلك لأن الغزاة الآريين جعلوه ديانة اعتنقها أولئك المساكين.

آمل أن ينال هذا الكتاب رضى القارئ الكريم ، فهو ثمرة قراءات واسعة لعشرات المصادر الاجنبية وتجميع للمعلومات وتدوين للملاحظات وترجمة للنصوص التاريخية.

  يبع في حلقات قادمة===>>>> 

اخبار محلية

اخبار دولية

الرياضة

فكر وثقافة

آراء واتجاهات

مقالات

شعر وشعراء

اخبار اقتصادية

وثائقيات

جميع الحقوق محفوظة ©2013