أخر الاخبار

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

العالم العربي والتحديات الإقليمية(تقييم تجرية دولة قطر)

الاستاذ: جمال عبدالرحمن الحضرمي 
بعد مرور أكثر من عام ونصف على دخول معظم أقطار العالم العربي منعرجات التغيير بطرائق متعددة اختلف في تبين ماهيتها ونعتها باعتبارها "ثورة ـ انتفاضة ـ احتجاج" وانطلاق ما ُسمي بـ"الربيع العربي" وهي تسمية خلافية أمريكية المنشأ، دخل العالم العربي مرحلة جديدة تتباين الآراء والاجتهادات في توصيفها والتنبؤ بمساراتها المستقبلية، إلا أنها تتفق على غياب الاستقرار بنسب متفاوتة، فديناميكية التغيير والتحول طالت الأنظمة السلطوية وشرعيتها في المنطقة وأتت على أجهزتها القمعية والإيديولوجية التي قايضت المواطن لعقود طويلة الديمقراطية والتعددية بالأمن والاستقرار المزعومتتسم المرحلة الانتقالية في العالم العربي بالتشوش والغموض وعدم اليقين، ويصعب الحديث عن المنطقة باعتبارها بنية متجانسة تماما، فالاختلافات بين بلد وآخر ظاهرة للعيان والاستجابات السلطوية للتحول والتغيير أخذت مسارات متنوعة، فالسهولة النسبية التي طبعت انتقال السلطة في تونس ومصر وإجراء الانتخابات أبرزت تفوقا إسلاميا، وفي ليبيا أخذت الانتفاضة طابعا عنيفا استدعت تدخلا عسكريا دوليا من خلال حلف النيتو، ومع إجراء أول انتخابات تقاسم المشهد الإسلاميون والعلمانيون، وفي اليمن تم قطع مسار الحراكات خليجيا وأمميا لإعادة إنتاج النظام تحت ذريعة تمدد تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة سوريا تحولت الاحتجاجات السلمية إلى انتفاضة مسلحة وباتت مسرحا للصراع الإقليمي والدولي ، فيما عمدت دول أخرى إلى احتواء الاحتجاجات والانتفاضات بوسائل شتى ؛ فالمغرب قدم تنازلات وتعديلات دستورية استدخلت بموجبها حزب العدالة والتنمية الإسلامي في السلطة، أما البحرين فقد تم حرف الاحتجاجات تحت ذريعة الطائفية بتدخل قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون والخليجي ، وبدعم أمريكي ، ثم اقتراح اتحادها مع السعودية، واعتمدت باقي الدول في المنطقة على سياسات الاحتواء والقمع لتجنب سيناريوهات التغيير. لقد فرضت جملة التحولات التي عصفت بالمنطقة تحديات داخلية وإقليمية ودولية عديدة، فالمنطقة التي استعصت على التغيير لعقود طالما وصفت بالسكونية والجمود ثقافياً نظراً لثقافتها الإسلامية المعادية بطبيعتها للديمقراطية بحسب الزعم الاستشراقي التقليدي، وليس بسبب أنظمتها السلطوية القمعية المدعومة خارجيا، ولعل التعمق في الكشف عن أسباب دخول المنطقة في سياقات التحول والتمرد يقود إلى استنتاجات سياسية واقتصادية واجتماعية وفلسفية معقدة لا مجال لمقاربتها في هذا السياق، إلا أن الواقع المشخص يؤشر على دخول المنطقة في حقبة جديدة وولوج لاعبين جدد في مشهدها يشكل فيه الإسلاميون بمختلف توجهاتهم الإيديولوجية والسياسية ظاهرة لا يمكن تجنبها بل يجب التعامل معها، إلا أن إمكانية التنبؤ بديناميكية التغيرات الإقليمية ومسارتها أشبه بالتنجيم، فالمنطقة محط أنظار اللاعبين الدوليين الذين فضلوا الاستقرار على حساب الديمقراطية ، بل دعموا الأنظمة الاستبدادية السلطوية لعقود حفاظا على مصالحهم فهي ترقب التحولات الجارية وتسعى لتوجيهها خشية حدوث تغيرات دراماتيكية، وحتى الآن لا يبدو بأن هناك تحولات جذرية في البنية الإقليمية، إذ ينبغي التأكيد على أن المنطقة لم تختبر نظاما "إقليميا" حقيقيا قبل الانتفاضات والحراكات وشكلت "الجامعة العربية" مظلة لأنظمة سياسية فاسدة ومستبدة ومتناحرة لا تتوافر على أطر عملية للتعاون السياسي والاقتصادي واقتصر التعاون البيني على الجانب الأمني الذي استخدم لقمع الشعوب وليس بناء نظام أمني إقليمي يواجه التحديات الإقليمية، وشكلت صيغ أخرى كـ "مجلس التعاون الخليجي" و "الاتحاد المغاربي" احتفاليات وأطر لا واقع لها، فيما اعتمدت دول المنطقة على الخارج في تعريف مصالحها وتثبيت حكمها، فالمنطقة الأكثر اضطرابا في العالم تضم نزاعا مستعصيا أساسيا يتمثل بـ "الصراع العربي الإسرائيلي" وتنازعا إيرانيا عربيا مقلقا، وعلى الرغم من الانتفاضات الشعبية ونتائجها المختلفة لم يتبلور حتى اللحظة تصورا واضحا حول مستقبل النظام الإقليميمستقبل العلاقات العربية ـ العربية لم تتطور العلاقات العربية العربية تاريخيا منذ ولادة مفهوم "الشرق الأوسط" عقب انهيار منظومة "الخلافة" العثمانية وزوال الهوية السياسية الدينية الجامعة لمفهوم الأمة، ودخول المنطقة تحت السيطرة الاستعمارية المباشرة، وعقب المرحلة الكولينيالية وبروز الدولة "الوطنية" في الدول المستقلة باستثناء فلسطين التي خضعت لاستعمار جديد باسم "إسرائيل" وبدعم غربي رأسمالي واشتراكي دخلت المنطقة في سياقات "الحرب الباردة" ونظام الاستقطاب الدولي بين الغرب الرأسمالي والمعسكر ألاشتراكي وبهذا انقسم العالم العربي تبعا لخطوط الصراع بين المعسكرين، ومع انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي تبدلت ولاءات العديد من الدول وحافظ بعضها على تصوراتها التقليدية بخصوص الدولة والمجتمع، بالتزامن مع رسوخ الولايات المتحدة الأمريكية كقوة قطبية أحادية مع حلول عصر "العولمة"، ومع حدث الحادي عشر من سبتمبر الذي قلب بعض التصورات الدولية والإقليمية وفلسفة رؤية العالمفي هذا السياق استنسخت معظم الدول العربية الطرائق الأمريكية تحت شعار "الحرب على الإرهاب" لمواجهة تآكل شرعيتها التي ورثتها عن الدولة الوطنية، إذ عمدت إلى زيادة فاعلية أجهزتها القمعية والإيديولوجية مع تنامي حركات "الإسلام السياسي" الشعبوية، كما أن سياسات الاستعارة الاستنساخية أفضت إلى تبني الفلسفة النيو ليبرالية وسياساتها المتوحشة حتى لدى تلك الدول التي طالما تسترت بشعارات العدالة الاجتماعية وإيديولوجيا "المقاومة والممانعة" التي نتجت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية وترسخت مع حرب الخليج الثانية، حيث أفرزت خلافات إقليمية جديدة من خلال بروز معسكرات "الممانعة" و"الاعتدال"، وانقلاب المنظور الاستراتيجي التقليدي لدى الطرفين فقد تبدلت جملة من الرؤى المؤسسة في تحديد مصادر التهديد حيث دخلت سلطات دول عديدة في علاقات "سلام" مع العدو التاريخي التقليدي المتمثل بـ "إسرائيل" بعيدا عن رغبة الشعوب وبات العدو الجديد ممثلا بـ "إيران" وأصبحت "الطائفية" سلعة سياسية رائجة، فيما تمسكت دول وجماعات أخرى بمنظور "المقاومة والممانعة" بعيدا عن إرادة الشعوب، فقد اشترك كلا المعسكرين في غياب الديمقراطية والمشاركة والتعددية وترسيخ "السلطوية". لم تتغير الصورة العربية العربية كثيرا عقب أكثر من عام ونصف على بدء الانتفاضات العربية، فالدول التي أنجزت المرحلة الأولى من العملية الانتقالية كمصر وتونس دخلت مسار الانشغال الداخلي وبناء الجبهة الداخلية على أسس تشاركية على الرغم من تحقيق الاتجاه الإسلامي انتصارات لا لبس فيها، إلا أن هذه الدول التي تمكنت نسبيا من تحقيق نوع من الاستقرار الداخلي لم تتبنَ سياسات تؤشر على تحول راديكالي في علاقاتها الإقليمية وبدت عاجزة عن تقديم نموذج بديل للنظام العربي، وسلكت مقاربة تصالحية مع الأنظمة "السلطوية" التي لم تدخل مسارات التحول والتغيير وخصوصا عصبة "الملكيات" التقليدية، ولم تطور نظم ما بعد التغيير عصبة "ديمقراطية"، ولعل دخول الانتفاضات الشعبية حيز العسكرة والتسلح بطرائق مختلفة كما حدث في ليبيا، وما يحدث حتى اللحظة في سوريا يجعل من الصعوبة التكهن بطبيعة العلاقات العربية العربية، فخطوط الانقسام تشتد بوتائر عديدة، كما أن التعامل مع الانتفاضة البحرينية واليمنية بقطع الطريق وإعادة إنتاج الأنظمة السلطوية من خلال المبادرات الخليجية، يبين نهجين في التعامل مع "الانتفاضات"؛ الأول: يسعى إلى إعادة إنتاج السلطوية من أحادية إلى تعددية، والثاني: يسلم بضرورة التغيير وينادي بادخال القوى الجديدة المتمثلة بحركات "الإسلام السياسي" في النظام الإقليمي والدوليلعل نجاح أحد السيناريوهين السابقين يمكن أن يحدد مستقبل العلاقات العربية العربية، وفي حال ظهور سيناريو ثالث يؤسس لمبدأ الاستقلالية في صياغة العلاقات العربية البينية يصبح التنبؤ بمستقبل هذه العلاقات ضرباً من التنجيم، إلا أن الواقع المشخص للسياسة الخارجية لدول ما بعد "الثورات" كما نحب أن نسميها لا يبشر بتغيرات جذرية في طبيعة العلاقات العربية العربيةالجوار الإقليمي؛ إيران وتركيا عصفت الانتفاضات العربية بجملة من التصورات المتعلقة بالمنطقة، ولا تزال حالة عدم اليقين تهيمن على الرؤى المستقبلية، فالعلاقة التي ربطت إيران وتركيا بالمنطقة رهن بطبيعة التغيرات التي ستسفر عنها الفعاليات الداخلية لبلدان المنطقة ، وهي تختلف من قطر لآخر، ولعل حالة التشوش التي حكمت سياسات كل من تركيا وإيران تجاه الانتفاضات تعكس الطبيعة المعقدة للمواقف المزدوجة، فقد استقبلت إيران الانتفاضات في تونس ومصر واليمن باحتفال وترحيب باعتبارها مؤشرا على يقظة إسلامية تستلهم "الثورة الإيرانية" ، ونتيجة نضالات الشعب الإيراني، فقد أضفت الرؤية الإيرانية على التحولات صبغة إيديولوجية تبشر بفض العلاقة مع الغرب وتؤذن بتعميم نهج "الممانعة والمقاومة" مع انهيار منظومة "الاعتدال" بقيادة مصر مبارك وتفكك علاقات التبعيةلم تكن التوقعات الإيرانية في مكانها تماما فقد أظهرت الانتفاضات الشعبية في البحرين وسوريا موقفا مغايراً ومزدوجاً، من خلال التأييد المطلق للانتفاضة البحرينية الأمر الذي أبرز البعد الطائفي، والدعم المطلق للنظام السوري، وبهذا خسرت إيران على المستوى الشعبي تعاطفا تاريخيا كداعم للمقاومة ومناهضة للغرب وعدوة لإسرائيل، وتعززت القطيعة مع دول المنطقة وخصوصا الخليجية، إلا أن سيناريوهات النجاح والفشل في البحرين قد تعقد المشهد ؛ فنجاح الانتفاضة البحرينية مكسب ونصر لا شك فيه بالنسبة لإيران، أما سقوط النظام السوري فهو خسارة يصعب تعويضها، وبالتالي فإن مستقبل العلاقة الإقليمية لإيران بالمنطقة يبشر بعزلة أشد، وعلى الرغم من وصول الإسلاميين إلى السلطة إلا أن النهج الواقعي المصلحي يشكل الأساس النظري لسياساتها الإقليمية ولكن لم تعد العلاقات الإقليمية تتم بعيدا عن الشعوب التي باتت مؤثرة في صياغة النهج الإقليمي وربما يسيطر النموذج التركي على شكل العلاقات مع إيران من منظور مصلحي واقعيأما تركيا فقد أدركت منذ البداية ضرورة مناصرة الانتفاضات الديمقراطية، كما أدركت عدم إمكانية الحفاظ على سياسة "تصفير المشاكل"، لا شك بأن تركيا التي استفادت اقتصاديا من نسج علاقات مع الأنظمة السلطوية في المنطقة وعقد اتفاقات تجارية مستثمرة لنظرية "العمق الاستراتيجي"، وربما خسرت مؤقتا في سوريا وليبيا، إلا أن تركيا تراهن على تعزيز موقعها بقيادة العدالة والتنمية مع الحركات الإسلامية العربية الصاعدة ، وتقدم لها نموذجا إرشاديا في إدارة شؤون الدولة والمجتمع وبناء علاقاتها الإقليمية والدولية، وتبدو علاقات تركيا بإيران معقدة وتسير على حبل مشدود بين التعاون والتنافس الإقليمي، ولعل تركيا أحد أكبر المستفيدين من التحولات الإقليمية ، ولهذا فمعظم الدول العربية وخصوصا الخليجية تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا باعتبارها تنتمي إلى النادي السني في مواجهة النفوذ الشيعي الإيرانيلقد تأثرت المصالح التركية على خلفية الانتفاضة السورية وهي معرضة لتهديد أمنها القومي، وربما إطالة أمد النزاع بين المعارضة المسلحة ونظام الأسد سيتسبب بخسائر اقتصادية وأمنية عديدة، الأمر الذي سيدفع تركيا لمواقف أكثر حزما في التعامل مع النظام السوري، إلا أن النهج الحذر والحسابات الدقيقة تحول دون اتخاذ مواقف جذرية نظرا لغياب الإجماع العربي والإقليمي والدولي في التعامل مع المسألة السورية، إلا أن انهيار النظام السوري الذي قد يخلق مزيدا من التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار قد يجلب نفوذا مضاعفا لتركيا ومكاسب عديدةوعلى الرغم من حالة عدم اليقين حول المنطقة وطبيعة العلاقات الإقليمية عقب التحولات، إلا أنه يمكن القول بأن إيران ستكون أحد الخاسرين وسوف تحقق تركيا مكاسب لا مرية فيها
يتبع

اخبار محلية

اخبار دولية

الرياضة

فكر وثقافة

آراء واتجاهات

مقالات

شعر وشعراء

اخبار اقتصادية

وثائقيات

جميع الحقوق محفوظة ©2013